23 Jun 2012

أنا والأمومة والزمن طويل

منتدى الخبراء العرب -
أعلم ما يجول برؤوسِكنّ الآن.   لا بُد وأنكن تعتقدنَ أن في هذه الخاطرة حكاياتٌ وردية عن الطفولة والذكريات الأولى لأطفالكن ولَكُنَّ كأمهات.   ولكنني متأسفة لعدم توقعكن ما سيكون فيها.  فأنا دائماً أبحث عن الجزء الآخر من الكأس، ألا وهو الجزء غير الممتلئ (يعني السيئات)، ولا يهمني كُتّابٌ يبثون الآمال والحسنات.

الجانب الآخر من الأمومة هو أن مخلوقاتٍ غريبةٍ لا تجيدُ سوى البكاءَ كنداءِ لكل حاجاتهم، معتمدة عليكِ بالكامل. ومع وجودهم تنسين وجودك، ما بين طعامهم المهروس وحفّاظاتهم وتعليمهم الجلوس ثم المشي ثم الأكل بأنفسهم ثم الذهاب إلى الحمام وما أحلاها من مرحلة. 

حياتُك تمر بأفلام مرعبة تبدئينها بأول يوم له في المدرسة حيث يكون فيلماً مُرعباً طويلاً، أبطاله أولادٌ وبناتٌ في عمر الرابعة أو الخامسة حيث يعتصر قلبُكِ عليه من شدة بكائه وتتمنين لو تأخذينه بعيداً ليبقى معك إلى الأبد.  ثم يَعتاد المدرسة ويبدأ يكبر وتكبر معه الهموم ويا ويلك لو لم يكن ممن يحبون المدرسة فكل العالم سيلومك على غبائه. 

ثم تأتي فترة العصيان.  وما أصعبها من فترة.  والسبب هو أنت!! لأنك لم تعودي تُدركين بأن طفلك لم يعد طفلاً.  ويا ويلي كم ناكراً لك هذا الطفل.  فلا يريد أن تحضنيه أو تسلّمين عليه أمام أصدقائه أو حتى أن يفرشي أسنانه.  فكل ما يعلمه في هذه الفتره هو "لا ولا ولا".  فيجب عليك (رِدّة فعلٍ طبيعية) أن تستيقظي ولتفهمي أن هذا الطفل بدأ بالتمرّد لأنه ليس طفلاً بعد الآن وأنت لم تعودي شابة بعد الآن.  فهو يأخذ من عمرك ويضع على عمره.  فهو يزداد شباباَ وأنت تزدادين كهولة.  ويزداد عافية وأنت تدخلين في سلك سقوط الشعر والضغط والغُدة والسكري وآلآم المفاصل وغيرها.

لا تقولي عني متشائمة، إذ سأعُطيك بصيصَ أمل.  فما زالت هذه المرحلة أفضل من غيرها.  فما هي إلآ سنين، وينجح ولدك في آخر سنة له في المدرسة بعد أن يكون قد إستنزفك مادياً وجسدياً ومعنوياً، ويدخل الجامعة حيث الشابات والحياة
ويدخل الجامعة وحيث الشابات والحياة.  ومن الطبيعي أن يطلب منك زوجُك أن تخففي من المصاريف فطفلك (أو إبنك الجامعي) أحق بهذا المال.  إذاً دورك الآن هو أن تُحِضّري له طعامه، طبعاً إذا مازال يحب طعمامك ولم تفسده مطاعمُ البرغركنغ والبيتزاهت التي تتراما على أطراف كل جامعة وكأنها مؤامرة دولية عليك أيتها الأم لتشعِرك بأنك لم تعودي تعني أي شيء لهذا الطفل.

أما العزيز (ولدنا) بعد التخرّج فيريد الزواج رغم أن الطبيعًي هو البحث عن العمل أولاً ثم يعد ذلك التفكير بالزواج.  ولكن يبدأون بالحديث معك على أنهم يريدون إكمال نصف دينهم وما شابه من تلك الإدعاءات، فتذهبين وكالعادة للوالد وتقنعينه بما أوتيت من قوة لكي يوافق ويدعمك مادياً.  ويا شدة غباءك فلا تعلمي أنك ستدقين مسماراً في نعشك كأم.  فها هي بنت الحلال تلك العروس التي ومن دون شك في أعماقها تتمنى موتك أو زوالك بلا أسباب.  فتبدأ تحيك لك المؤامرات وأنت تردين لها بالمثل.

وبلا شك فأنت الخاسر الأكبر.   أتعلمين لماذا؟  لأن ولدك لزوجته كما كان زوجك لك.  وكما قالت جدتي وجدتك: "الغول يأكل كل الناس ما عدى زوجته".

وتجلسي عند النافذة كل يوم تنتظري ولدك وأبناءه فيبدأ بزيارتك أسبوعياً ثم شهرياً ثم مرة في السنة ثم عند دخولك العناية المركزة ثم عند دفنك.

أتمنى يا عزيزتي المرأة التي لم تصبح أماً بعد أن تقرأي خاطرتي وتتمعنِ بها وتفكري بها جاهدة قبل الإقبال على الزواج والإنجاب.  أما أنت يا من أصبحتي أماً أتمنى أن تتعلمي من أخطائي ولا تصلي إلى هذه المرحلة من التشاؤم.

 

No comments: